جدول المحتويات
في عصر كانت فيه السماء حكراً على الطيور، تجرأ رجلٌ على الحلم بالطيران…
📜 البداية: عبقري الأندلس
في القرن التاسع الميلادي، ازدهرت الأندلس تحت حكم المسلمين، وكانت مركزًا للعلم والمعرفة. في وسط هذا التألق العلمي، ولد عباس بن فرناس في مدينة “رندة”، الواقعة في إسبانيا اليوم. كان ابن فرناس أكثر من مجرد عالم؛ لقد كان موسوعيًا يجمع بين الفلك، والهندسة، والكيمياء، والشعر، والموسيقى، حتى بات يُعرف بأنه أحد أبرز العقول في عصره.
بفضل فضوله العلمي اللامحدود، لم يكن عباس بن فرناس يكتفي فقط بدراسة النظريات، بل كان يجسدها عمليًا، محاولًا تطبيقها بشكل مبتكر. كان مفتونًا بفكرة الطيران منذ صغره، يتأمل الطيور وهي تحلق في السماء، ويتساءل: كيف يمكن للإنسان أن يحاكي هذه القدرة العجيبة؟
من هو عباس بن فرناس
هو أَبُو اَلْقَاسِمْ عَبَّاسْ بْنْ فِرْنَاسْ بْنْ وَرْدَاسْ اَلتَّاكِرْنِي, أحد العلماء المسلمين في دولة الأندلس. كل ما يعرفه شباب جيلنا هو محاولته الطيران. ولكن في الحقيقة كان عالماً في الرياضيات وعلم الفلك والفيزياء والكيمياء والهندسة. بالإضافة إلى موهبته في كتابة الشعر والتأليف الموسيقي.
لا يعرف شباب جيلنا أن عالمهم العبقري هذا قام باختراع آلة لرصد حركات الكواكب والنجوم, بالاضافة إلى توصله لطريقة فريدة في تصنيع الزجاج الشفاف الخالص, الأمر الذي استخدمه في صنع العدسات المكبرة للقراءة.
عاش عباس بن فرناس في قرطبة وكان مقرباً من الحكم بن هشام وابنه. وذاع سيطه في البلاد بسبب اختراعاته الفريدة المميزة. وفي النهاية اتهم بالزندقة وقرروا الحكم عليه في المسجد أمام العامة. وانتهى الأمر بتبرئته من كل التهم.
✨ الفكرة الجريئة: حلم الطيران
جاءت اللحظة الحاسمة عندما قرر عباس بن فرناس اختبار فرضيته حول الطيران. بدأ بدراسة ديناميكيات الطيور، ملاحظًا كيفية انحناء الأجنحة وحركة الريش أثناء التحليق. ثم شرع في تصميم أجنحة ضخمة مصنوعة من الخشب ومغطاة بالريش، مستوحيًا شكلها من الطيور.
لم يكن هدفه مجرد القفز، بل كان يريد أن يطير حقًا. لقد كان مقتنعًا بأن الإنسان قادر على الارتفاع في الهواء إذا استطاع تقليد ميكانيكية الطيران عند الطيور.
🚀 التجربة الخطيرة: لحظة التحليق

بعد شهور من العمل المضني، جاء يوم التجربة. صعد عباس بن فرناس إلى منطقة مرتفعة، ربما على أحد أبراج قرطبة، حيث تجمعت حشود من الناس لمشاهدة هذه المغامرة غير المسبوقة. كان المشهد أشبه بمشهد من الأساطير: عالم يقف على الحافة، يضع أجنحته المبتكرة، ثم يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقفز نحو المستقبل.
والمفاجأة؟ لقد نجح في التحليق! لم يكن مجرد سقوط حر، بل كان يحوم في الهواء لفترة وجيزة، محققًا حلمه. لكن المشكلة الكبرى كانت في الهبوط؛ فبينما أتقن فكرة الطيران إلى حدٍّ ما، لم يكن قد درس كيفية العودة إلى الأرض بأمان. وعندما حان وقت الهبوط، لم يكن لديه ذيل يساعده على تحقيق توازن كما تفعل الطيور، فانتهى الأمر بسقوطه بقوة.
رغم إصابته، ظل عباس بن فرناس صامدًا، وأدرك أن حلم الطيران ليس مستحيلًا، بل يحتاج إلى المزيد من البحث.
🌍 إرث خالد: تكريم بعد قرون
لم يكن سقوط عباس بن فرناس نهاية القصة، بل كان بداية لعصر جديد من التفكير العلمي في الطيران. بعد قرون، استلهم ليوناردو دافنشي من أفكاره في رسم تصاميم لمكائن الطيران، ثم جاء الأخوان رايت ليحققوا حلم الطيران بشكل عملي. واليوم، يحمل اسمه فوهة قمرية، إضافةً إلى تكريمات متعددة في العالم العربي.
عباس بن فرناس لم يكن مجرد عالم، بل كان حلمًا سابقًا لعصره، وشجاعًا تحدى المستحيل.
المصادر: عباس بن فرناس ويكيبيديا ومصادر أخرى.