شارك المقالة:

هل عقارب الساعة تضيء باليورانيوم؟

هل عقارب الساعة تضيء باليورانيوم؟

نعم، هذه المعلومة صحيحة تاريخياً، لكنها تحتاج إلى توضيح دقيق لأن المادة المستخدمة اختلفت مع مرور الوقت:

مرحلة الراديوم (القرن الماضي)

في أوائل ومنتصف القرن العشرين (تقريباً من عام 1910 حتى الستينيات)، كانت عقارب الساعات تُطلى بمادة تحتوي على الراديوم-226 (Radium-226) وليس اليورانيوم.

كيف كانت تضيء عقارب الساعة؟

الراديوم مادة مشعة جداً، كانت تُخلط مع مادة كيميائية (كبريتيد الزنك) لتجعلها تتوهج باستمرار دون الحاجة لشحنها بالضوء.

خطورة الراديوم

الراديوم مادة خطيرة جداً. اشتهرت قضية “فتيات الراديوم” (Radium Girls)، وهن عاملات في مصانع الساعات أصيبوا بأمراض خطيرة نتيجة استنشاق ولمس هذه المادة. وسنتكلم عن تلك القصة في نهاية المقال.

هل تم استخدام اليورانيوم؟

اليورانيوم استُخدم بشكل أساسي في تلوين الزجاج والسيراميك (مثل زجاج الفازلين الأخضر الشهير)، لكنه لم يكن المادة الأساسية لطلاء عقارب الساعات للتوهج، لأن الراديوم كان أقوى بكثير في الإضاءة.

هل تحتوي عقارب الساعات الحديثة على اليورانيوم أو الراديوم

الساعات الحديثة التي نرتديها اليوم آمنة تماماً. وهي لا تستخدم الراديوم أو اليورانيوم. بدلاً من ذلك، تُستخدم تقنيات آمنة:

  • مادة لومينوفا (Luminova): وهي فوسفورية تشحن نفسها من الضوء وتفرغه في الظلام (غير مشعة).
  • التريتيوم (Tritium): وهو غاز مشع “ضعيف جداً” ومغلق داخل أنابيب زجاجية صغيرة. إشعاعه لا يخترق الزجاج ولا جلد الإنسان، ويعتبر آمناً تماماً وفق المعايير الدولية.

كيف تعرف إذا كانت ساعتك القديمة تحتوي على مادة مشعة؟

إذا كانت لديك ساعة أثرية (Vintage) قديمة تعود لأربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي وتود التأكد منها فيجب عليك النظر إلى أمرين:

  • إذا كان الطلاء يميل إلى اللون الأصفر الداكن أو البرتقالي أو البني.
  • إذا كانت الساعة تضيء باستمرار في الظلام الدامس دون أن تعرضها للضوء (إضاءة ذاتية).

في هذه الحالة، يُنصح بعدم فتح الساعة أو محاولة كشط الطلاء لتجنب استنشاق الغبار المشع.

ولكن ماذا عن مفاتيح المصابيح الضوئية التي تشع ليلا؟

هل مفاتيح المصابيح القديمة تحتوي على مواد مشعة؟

مفاتيح الانارة التي تستخدم الراديوم. صورة بالذكاء الصناعي

إذا كانت لديك مفاتيح للمصابيح في المنزل وهي قديمة وتشع لفترات طويلة في الليل رغم عدم وجود ضوء فلا تقلق.

في الغالب، هذه الأزرار (أو مفاتيح الإضاءة) تعتمد على مادة “كبريتيد الزنك” (Zinc Sulfide)، وهي المادة التقليدية التي كانت تستخدم في الثمانينات وما قبلها في الصناعات المنزلية، وإليك تحليل وضعها بناءً على ما ذكرناه:

لماذا تضيء لفترات طويلة وتتأثر بالضوء؟

هناك تفسيران للاضاءة لفترات طويلة:

  • خاصية الفسفرة (Phosphorescence): المادة الموجودة في هذه الأزرار تعمل مثل “البطارية الضوئية”. عندما تتعرض للضوء (سواء ضوء الشمس أو لمبة الغرفة)، تمزص الطاقة وتخزنها، ثم تبدأ بتفريغها ببطء على شكل توهج في الظلام.
  • قوة الإضاءة: هذا يفسر لماذا تكون “قوية جداً” فور إطفاء النور؛ لأنها تكون في ذروة تفريغ الطاقة التي امتصتها للتو.

هل تحتوي المفاتيح على مواد مشعة (مثل الراديوم أو اليورانيوم)؟

بنسبة كبيرة جداً لا تحتوي على مواد مشعة خطيرة، وذلك لعدة أسباب:

  • التأثر بالضوء: المواد المشعة (مثل الراديوم) تضيء من تلقاء نفسها نتيجة التفاعل النووي ولا تحتاج للتعرض للضوء لتشحن. بما أن أزرارك “تتأثر بقوة بالضوء”، فهذا دليل قاطع على أنها مادة فوسفورية كيميائية آمنة وليست إشعاعية.
  • الحقبة الزمنية: بحلول الثمانينات، كان استخدام الراديوم في المنتجات الاستهلاكية قد توقف تقريباً في معظم دول العالم بسبب القوانين الصارمة، واستُبدل بمواد كيميائية آمنة.

لماذا تضيء تلك المفاتيح لفترات طويلة جداً؟

في الثمانينات، كانت بعض الشركات تستخدم جودة عالية من “كبريتيد الزنك” الممزوج ببعض الشوائب المعدنية (مثل النحاس) لإطالة مدة التوهج. ورغم أنها قد تبدو لك مضيئة طوال الليل، إلا أنك إذا قارنت قوتها في أول 5 دقائق بقوتها بعد 4 ساعات، ستجد فرقاً شاسعاً، بينما المواد المشعة تظل بنفس القوة تماماً طوال الليل والنهار.

الخلاصة

هذه الأزرار آمنة تماماً وليست “يورانيوم” أو “راديوم”. هي مجرد بلاستيك معالج بمادة فوسفورية مخصصة لمساعدة الناس في العثور على مفتاح النور في الظلام الدامس.
نصيحة: طالما أن البلاستيك سليم ولا يتفتت، فلا يوجد أي قلق منها. أما إذا كانت قديمة جداً وتتفتت (تتحول لبودرة)، فمن الأفضل استبدالها بمفاتيح حديثة من باب النظافة وتجنب استنشاق غبار البلاستيك القديم فقط.

والآن كما وعدناكم سنحدثكم عن قصة فتياة الراديوم المأساوية.

قصة فتيات الراديوم

قصّة “فتيات الراديوم” (Radium Girls) هي واحدة من أكثر المآسي قسوة في التاريخ الصناعي، ولكنها كانت السبب الرئيسي في وضع قوانين حماية العمال التي نعرفها اليوم. إليك القصة باختصار:

الوظيفة “الحلم”

في بدايات القرن العشرين (قرابة عام 1917)، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، زاد الطلب على الساعات التي تضيء في الظلام لاستخدامها من قبل الجنود. كانت المصانع (مثل شركة الراديوم الأمريكية) توظف مئات الفتيات الشابات لطلاء عقارب الساعات بمادة “الراديوم” المشعة.

كانت الوظيفة تُعتبر “راقية” وذات أجر مرتفع، وكانت الفتيات يُحسدن عليها.

لكي تكون الأرقام دقيقة وصغيرة على الساعة، كان يطلب المدراء من الفتيات استخدام أفواههن لتدبيب رؤوس فرش الطلاء (لبراية الفرشاة باللسان).

تدبيب رأس الفرشاء طلاء الراديوم
تدبيب رأس الفرشاء طلاء الراديوم
حقوق الصورة Chicago Daily Times / Sun-Times Media

كانت الفتيات يسألن عن مدى أمان المادة، فكان الرد دائماً: “إنها آمنة تماماً”. من شدة جهلهن بخطورتها، كانت الفتيات يدهنّ أظافرهن وأسنانهن بالراديوم لتبهرن أصدقائهن في الظلام، وكان يطلق عليهن “الفتيات الشبح” لأنهن كنّ يتوهجن في الليل وهن عائدات للمنزل.

الكارثة الصحية

بعد سنوات قليلة، بدأت الكارثة:

  • بدأت أسنان الفتيات بالتساقط بشكل غريب.
  • بدأت عظام الفك لديهن تتآكل وتتحلل (فيما عُرف لاحقاً بـ “فك الراديوم”).
    فك الراديوم
    في الأعلى صورة جانبية وأمامية لفك الراديوم (حقوق الصورة Collection of Ross Mullner)
  • أصيبت الكثيرات منهن بكسور عفوية وسرطانات العظام القاتلة.

السبب العلمي أن الجسم يتعامل مع الراديوم كيميائياً وكأنه “كالسيوم”، فيقوم بامتصاصه وترسيبه مباشرة في العظام، ليبدأ الإشعاع بتدمير العظام من الداخل على مدار 24 ساعة يومياً.

المعركة القانونية

عندما بدأت الفتيات يطالبن بحقوقهن، أنكرت الشركات صلتها بالأمراض وحاولت تشويه سمعتهن. لكن خمس فتيات (بقيادة غريس فرير) قررن مقاضاة الشركات وهن على فراش الموت.

رغم أن الكثير منهن كنّ أضعف من أن يرفعن أيديهن لأداء القسم في المحكمة، إلا أنهن ربحن القضية في عام 1928.

قضية قتيات الراديوم
إحدى جلسات الاسمتاع في المحكمة (Chicago Daily Times / Sun-Times Media)

الإرث التاريخي

بفضل تضحيتهن أصبحت الأمراض المهنية تقع تحت مسؤولية الشركات قانونياً. وتأسست هيئة السلامة والصحة المهنية (OSHA) لاحقاً بناءً على مبادئ حماية العمال من المواد الخطرة. وبالإضافة إلى ذلك فقد كان من منجزات الدعاوى القضائية التي رفعنها فقد تم حظر استخدام الراديوم في طلاء الساعات تماماً واستبداله بمواد آمنة.

ملاحظة مرعبة: لأن الراديوم له عمر نصف يصل لـ 1600 سنة، فإن عظام هؤلاء الفتيات في قبورهن لا تزال تُصدر إشعاعاً يمكن رصده بأجهزة “جيجر” حتى يومنا هذا.

إن كنت تريد الاستزادة حول هذه القصة أقترح عليك الفيلم السينمائي: Radium Girls (2018), هذا الفيلم من بطولة “جوي كينج”، وهو يركز بشكل أساسي على الجانب القانوني والنضالي للأخوات اللواتي عملن في المصنع. الفيلم ممتاز في تصوير كيف كانت الفتيات يجهلن تماماً ما يفعلنه بأنفسهن وكيف بدأت الأعراض تظهر عليهن.

أما إذا كنت من هواة قراءة الكتب فأنصحك بكتاب The Radium Girls الأكثر مبيعاً. حيث يعتبر هذا الكتاب المرجع الأهم والأكثر تفصيلاً. فقد قامت مؤلفة الكتاب كيت مور Kate Moore ببحث مضنٍ واستخرجت رسائل شخصية للفتيات وسجلات المحكمة.

الكتاب لا يسرد حقائق جافة، بل يجعلك تعيش يوميات الفتيات ومعاناتهن وبطولتهن.

هل ما زلت تشك في عقارب ساعتك في المنزل؟

×