شارك المقالة:

“القانون المطلق”… النظام الخفي الذي يحكم حياتك والكون

القانون المطلق

هذا المقال نظرة متقدمة في كتاب “القانون المطلق” للباحثة العراقية الدكتورة بتول قاسم ناصر.

تصوّر أنك تنظر إلى شجرة.

  • المظاهر المتعددة (التعدد الظاهري): ترى أوراقًا خضراء (تنمو)، وأغصانًا خشبية (تتصلب)، وثمارًا (تسقط)، وجذورًا (تمتص الماء). كل جزء يبدو مختلفًا.
  • القانون المطلق (الوحدة الكامنة/المنهج الجدلي): هناك “برنامج” داخلي واحد يحكم كل هذه التغيرات، وهو قانون الحياة والنمو الخاص بالشجرة. هذا القانون يحدد متى تورق ومتى تثمر ومتى تسقط. هذه دورة ثابتة، ضرورية، ولا يمكن للشجرة أن تقرر فجأة أن تُزهر في الشتاء دون سبب.

إذًا، “القانون المطلق” هو هذا البرنامج الثابت الذي يوجه حركة الكون، من الذرة إلى المجرة، وبنية جسمك وعقلك. إنه النظام الأساسي الذي يضمن أن كل شيء له غرض ومسار محدد.

الروابط الثلاثة: الفلسفة، العلم، والدين

تأخذ المؤلفة القارئ في رحلة لاستكشاف هذا القانون في ثلاثة مسارات رئيسية لتثبت وجود هذا “النظام الثابت”:

  • الفلسفة: تستعرض المؤلفة الأفكار الفلسفية السابقة (مثل فلسفة هيجل) التي حاولت وصف هذا القانون الجدلي الذي يحكم التطور. لكنها تتقدم خطوة أبعد لتقديم رؤية جديدة منطلقة من الفكر الإسلامي، لتؤكد أن هذا النظام ليس مجرد فكرة مجردة بل مرتبط بالغايات الوجودية.
  • العلم: يبحث الكتاب عن القانون المطلق في الحقائق العلمية. فالنظام الرياضي والفيزيائي الدقيق الذي يحكم حركة الضوء والجاذبية، وتكوين المادة، هو دليل مادي على هذا القانون الثابت الذي لا يقبل الفوضى أو العشوائية.
  • الدين: ترى المؤلفة أن النبوات والرسالات الدينية هي أيضًا تعبير عن هذا القانون ونظامه الأخلاقي والكوني. إنها تكشف للإنسان جزءًا من هذا النظام الإلهي المطلق، وتقدم له خارطة طريق لتطبيق العدل والتوازن الذي يحكم الكون على مجتمعه البشري.

ما يعنيه هذا القانون لك كإنسان

الهدف النهائي للكتاب هو الربط بين فهم هذا القانون الكوني وبين دور الإنسان. إن معرفتك بهذا “النظام الثابت” ليست مجرد رفاهية فكرية، بل لها أثر عملي:

  1. الفهم والاستقرار: عندما تدرك أنك جزء من نظام هائل ومنتظم، فإن عقلك ونفسك يسعيان للتوافق مع هذا النظام، مما يجلب الاستقرار المعرفي.
  2. العدل والخلافة: يُنظر إلى محاولة الإنسان لفهم هذا القانون وتحويل معرفته إلى فعل في بناء المجتمع على أنها تأكيد لمفهوم “خلافة الإنسان” على الأرض. أي أن دورك هو محاكاة وإظهار عدالة وتوازن هذا القانون المطلق في حياتك وعلاقاتك ومجتمعك.

باختصار، يقدم كتاب “القانون المطلق” دعوة للتفكير في أن الكون ليس كتلة عشوائية، بل هو بناء دقيق يحكمه منطق أساسي ثابت. كل ما عليك هو أن تكتشف هذا المنطق لتفهم دورك في هذا النظام العظيم.

هل سبق لك أن تأملت في مدى الدقة التي يعمل بها الكون؟ من حركة الإلكترون حول النواة إلى تنظيم مليارات البيانات في قاعدة بيانات ضخمة، هناك خيط خفي من النظام المطلق يربط كل شيء. كتاب “القانون المطلق” للدكتورة بتول قاسم ناصر يدعونا للبحث عن هذا “الخوارزمية الكبرى” التي تحكم الوجود، وهو ما يلامس بعمق عالمنا التقني الذي يقوم أساسه على المنطق والتعليمات الثابتة.

1. القانون المطلق: البرنامج الأصلي (The Master Algorithm)

في قلب الكتاب، فكرة بسيطة لكنها عميقة: الكون ليس كتلة عشوائية، بل هو نظام متكامل يحكمه قانون ثابت لا يتغير. يمكننا أن نطلق على هذا القانون اسم “البرنامج الأصلي” (The Master Algorithm).

في عالم التقنية، نفهم جيدًا قوة “البرنامج الأصلي”. أي نظام تكنولوجي معقد—سواء كان نظام تشغيل (Operating System) عالمي مثل Linux أو Windows، أو شبكة عصبية اصطناعية (Neural Network)—يعتمد على مجموعة أساسية من التعليمات المنطقية الثابتة (الأكواد). لا يمكن للنظام أن يخرج عنها أو يتصرف بعشوائية.

  • تشابه الأكواد الكونية: ترى المؤلفة أن الكون يعمل بنفس هذه الطريقة؛ فهناك “كود” يحكم نمو الشجرة، وآخر يحكم حركة الكواكب، و”كود” ثالث يحكم بنية العقل البشري. هذا “الكود” ليس مجرد قواعد، بل هو العقل الكوني الموضوعي الذي يكتشفه عقل الإنسان، تمامًا كما يكتشف المهندس منطق عمل شريحة إلكترونية معقدة.
  • الوحدة والتكامل: في التقنية الحديثة، نتحدث عن التكامل (Integration) والعمليات الموزعة (Distributed Systems). كل جزء يعمل بمفرده، لكنه مرتبط بوحدة منظمة ومترابطة. هذا هو بالضبط مفهوم القانون المطلق: الوحدة الكامنة وراء التعدد الظاهري.

2. المنهج الجدلي: دورة الحياة والتطور في الأنظمة

يقدم الكتاب فكرة المنهج الجدلي كآلية لعمل هذا القانون المطلق، وهي فكرة فلسفية معقدة يمكن تبسيطها لتصبح “دورة التطور والتصحيح الذاتي في الأنظمة”.

في عالمنا التقني، لا شيء يبقى ثابتًا. الأنظمة تحتاج إلى تحديث مستمر (Continuous Updates) وإدارة تغيير (Change Management). هذا التطور يتم عبر دورة منتظمة:

  1. الفكرة (الأطروحة): نظام حالي (مثل تطبيق قديم).
  2. النقيض (النقض): ظهور مشكلة أو تحدي (بطء الأداء، ثغرة أمنية).
  3. التوليف (النتيجة): تطوير نظام جديد يحل المشكلة (إصدار جديد، تحديث أمني).

هذه الدورة المستمرة للتطور ليست عشوائية، بل هي ضرورة نظامية لضمان البقاء والاستمرارية. يؤكد كتاب “القانون المطلق” أن الوجود بأسره يخضع لهذا المنهج: كل تطور في الطبيعة، وكل فكرة جديدة في المجتمع، هي نتيجة لحتمية هذا “التصحيح الكوني” الذي يضمن سير الأمور نحو غايتها المطلقة.

3. الاكتشاف والغاية: من “البيانات الضخمة” إلى “المعرفة المطلقة”

تهدف رحلة الإنسان نحو فهم القانون المطلق إلى الوصول إلى المعرفة المطلقة. هذه الغاية لها صلة وثيقة بطموحاتنا في العصر الرقمي:

  • من البيانات إلى الحكمة (From Data to Wisdom): نحن اليوم نغرق في البيانات الضخمة (Big Data). مهمة الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning) هي تصفية هذا الكم الهائل من البيانات لاكتشاف “النمط” أو “القانون” الذي يحكمها. هذا النمط المكتشف، سواء كان يحدد سلوك المستهلك أو يتنبأ بالمناخ، هو تجسيد صغير لـ “القانون المطلق” في مجال محدد.
  • القانون المطلق هو الهدف: تسعى البشرية في سعيها العلمي إلى كشف القواعد النهائية (مثل البحث عن نظرية كل شيء (Theory of Everything) في الفيزياء). ترى المؤلفة أن القانون المطلق يمثل هذه “النظرية الكلية” التي تفسر الوجود والدين والأخلاق معًا.

4. الخلافة والتطبيق: بناء مجتمع العدل (The Ethical Protocol)

يصل الكتاب إلى ذروته في الربط بين فهم هذا النظام الكوني وبين التطبيق الأخلاقي على الأرض. لا يكفي أن نعرف هذا القانون، بل يجب أن نعيشه.

في المجال التقني، يظهر هذا التحدي بشكل يومي في نقاشات أخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI Ethics).

  • الحيادية والتحيز: عندما نبرمج نظامًا، يجب أن نتأكد من أنه محايد وعادل. أي تحيز (Bias) في البيانات المدخلة ينتج عنه “عدم عدالة” في النظام المبرمج. هذا يؤكد فكرة المؤلفة: يجب أن نسعى لتطبيق عدالة المطلق في قوانيننا ونظمنا البشرية.
  • خلافة المبرمجين: إن دور المبرمج والمهندس والباحث ليس مجرد بناء أنظمة، بل هو تجسيد للنظام (القانون المطلق) في الهياكل التي يبنيها. هذا هو المفهوم المعاصر لـ “خلافة الإنسان”؛ تحويل المعرفة إلى فعل يساهم في بناء مجتمع مستقر وعادل، يحاكي في دقته وانسجامه النظام الكوني.

الخلاصة: هل تبني نظامك وفقاً للنظام الكوني؟

يقدم “القانون المطلق” للدكتورة بتول قاسم ناصر منظورًا جديدًا لفهم عالمنا التقني. إنه يذكرنا بأن وراء كل كود أو نظام معقد نبنيه، هناك منطق أعمق وأشمل يحكم كل شيء. إن النجاح الحقيقي في عالم التقنية لا يكمن فقط في كفاءة الأكواد، بل في قدرة هذه الأكواد على أن تكون جزءًا من النظام المطلق للكون: نظام العدل والدقة والاستمرارية.

×