جدول المحتويات
لطالما كانت الأرقام جزءا أساسياً من حياة الانسان, سواء في المعاملات التجارية أو المالية المختلفة, لذلك كان تطورها محل اهتمام كافة الحضارات التي سكنت كوكب الأرض. وتطورت عبر الزمن من شكل لآخر. سنتعرف اليوم على تاريخ تطور الأرقام وأنظمة العد حتى وصولها لشكلها الحالي. بالإضافة إلى أنظمة العد المختلفة التي تشكلت في كل مرحلة.
كيف بدأ تطور الأرقام وأنظمة العد
بدأ الإنسان بالتفكير بالعد لإحصاء ما يملك. سواء عدد الخرفان التي يمتلكها أو الأبقار أو أي من الحيوانات المستهجنة. فكان الموضوع بسيطاً. مثل رسم خط يمثل كل بقرة أو خروف.
مثلاً لتمثيل الرقم 5 كان الانسان يستخدم 5 أصابع أو يرسم 5 خطوط متماثلة (|||||).

ولكن مع تطور المجتمعات وتعقيدها احتاجت إلى أنظمة عد تلائم احتياجاتها. فمثلا استخدم المصريون القدماء رمز العصا لتمثيل الرقم 1 واستخدموا رمز حدوة الحصان (∩) لتمثيل الرقم 10. وفي المقابل استخدم البابليون نظام العد الستيني 60 لتمثيل الاعداد واستخدموا رموزاً مسمارية لتمثيل الأعداد.
النظام المصري القديم
استخدم المصريون نظام يعتمد على مضاعفات الرقم 10 حيث كان لديهم رمزا معينا لكل الارقام من مضاعفات العشرة, فمثلا كان يمثل الواحد برمز العصا والعشرة تكتب على شكل حدوة حصان والمئة على شكل رمز شبيه باللولب وهكذا..
ولكن ماذا عن الارقام بين هذه الاعداد؟ لقد كانوا يكررون العدد عدة مرات. على سبيل المثال، لتمثيل العدد 324 كانوا يكررون رمز المئة ثلاث مرات, أي يكتبون رمز اللولب ثلاث مرات ورمز العشرة مرتان ورمز واحد أربع مرات. ولكن هذا النظام على الرغم من بساطته وقدرته على تمثيل كافة الأرقام كان يشغل مساحة كبيرة في الكتابة.
النظام البابلي الستيني
استخدم البابليون الذين كانوا يسكنون بلاد ما بين النهرين نظاما فريدا مميزا لتمثيل الاعداد، حيث اعتمدوا على النظام الستيني -اي العدد 60- وهو في الحقيقة النظام الذي ما نزال نستخدمه حتى يومنا هذا في تقسيم الساعة. هل سألت نفسك يوما لماذا الساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية وليست 50 مثلا؟ نعم انه النظام البابلي.
اعتُمد في تمثيل النظام الستيني رمزين فقط، الواحد ويمثل عندهم بخط مثل العصا، والعشرة على شكل زاوية. وبوضع هذه الرموز بترتيب معين حصلوا على الارقام حتى 59. وبعد ال 59 استخدموا نظامًا مكانيًا، حيث تعتمد قيمة العدد على موقع الرمز.
لقد كان نظام العد البابلي نظامًا معقدًا ولكنه مكنهم من القيام بحسابات فلكية صعبة ودقيقة.
نظام العد الموضعي
يعتبر هذا النظام طفرة حقيقية في تاريخ تطور الأعداد. حيث تعتمد قيمة الرقم على موقع الرمز ضمن العدد، وبهذا تم توفير حفظ واختراع الكثير من الرموز التي كانت تمثل الاعداد. ومن الأمثلة على أنظمة العد الموضعية النظام العشري الذي نستخدمه حاليا في كل دول العالم.
ظهور الصفر
يعتبر اختراع الصفر من أهم الإنجازات في تاريخ الرياضيات. لم يكن مفهوم “لا شيء” بديهيًا للجميع. تخيل محاولة إجراء عمليات حسابية معقدة دون رمز يمثل العدم! ينسب الفضل إلى الخوارزمي في تطوير مفهوم الصفر كعدد مستقل ورمز له. هذا الابتكار فتح الباب أمام تطور أنظمة العد الحديثة والجبر والتكنولوجيا التي نراها هذه الأيام.
وهناك سوء فهم شائع حول من “اخترع” الصفر. من المهم التمييز بين مفهوم الصفر كفكرة ورمزه كعدد مستخدم في العمليات الحسابية:
- المفهوم: فكرة “اللاشيء” أو “العدم” كانت موجودة قبل الخوارزمي، حتى أن بعض المصادر تشير إلى استخدامات بدائية للصفر لدى السومريين كرمز يشير إلى خانة فارغة في نظامهم العددي. لكن لم يكن الصفر يُعتبر عددًا بحد ذاته له قيمة حسابية. (المصدر: كتاب “تاريخ الرياضيات” (A History of Mathematics) لكارل بنجامين بوير)
- التطوير والاستخدام الحسابي: هنا يأتي دور الحضارة الهندية. فقد طور علماء الرياضيات الهنود مفهوم الصفر كعدد له قيمة، وأضافوه إلى نظامهم العددي. براهماغوبتا، عالم الرياضيات الهندي في القرن السابع الميلادي، يُعتبر من أوائل من وصفوا قواعد استخدام الصفر في العمليات الحسابية كالجمع والطرح والضرب. (كتاب “براهماسبوتاسيدهانتا” (Brāhmasphuṭasiddhānta) لبراهماغوبتا)
- الخوارزمي ونشر المفهوم: دور الخوارزمي كان حاسمًا في نقل وتطوير ونشر مفهوم الصفر واستخدامه في العمليات الحسابية. الخوارزمي، عالم الرياضيات المسلم في القرن التاسع الميلادي، لم “يخترع” الصفر بمعنى أنه أوجده من العدم، بل قام بتطويره واستخدامه في علم الجبر الذي وضعه، وشرحه في كتبه التي ترجمت إلى اللاتينية ونقلت إلى أوروبا. من هنا انتشر استخدام الصفر في العالم. (المصدر: كتاب “الجبر والمقابلة” للخوارزمي, كتاب “عن حساب الأعداد الهندية” للخوارزمي (النسخة اللاتينية))
ويمكننا القول باختصار:
- الهنود: طوروا مفهوم الصفر كعدد له قيمة واستخدموه في العمليات الحسابية.
- الخوارزمي: ساهم في نشر وتطوير استخدام الصفر في العمليات الحسابية، خاصة في علم الجبر، ونقل هذا المفهوم إلى العالم.
لذلك، من الدقة القول بأن الهنود هم من طوروا الصفر كعدد، بينما الخوارزمي لعب دورًا حاسمًا في نشره وتطوير استخدامه في الرياضيات.
الأرقام الهندية العربية
الأرقام التي نستخدمها اليوم، 0، 1، 2، 3، …، 9، تُعرف بالأرقام الهندية العربية وتسمى أيضاً الأرقام العربية المغربية الغبارية. تطورت هذه الأرقام في الهند ثم انتقلت إلى العالم العربي، حيث تم تطويرها ونشرها في أوروبا خلال العصور الوسطى. سهولة استخدام هذه الأرقام ونظامها العشري المكاني ساهم في انتشارها عالميًا.
ويستمر الجدل الكبير حول أصل هذه الأرقام. فيما يقول البعض أن أصل الارقام هندي وقام العرب بتطويره ونشره في العالم. حيث انتقلت هذه الأرقام إلى العالم العربي في العصر الذهبي للأمة الاسلامية, حيث قام العلماء المسلمون وعلى رأسهم الخوارزمي بتطوير تلك الأرقام ونشرها.
والبعض يقول أن الأصل عربي تماماً. مثل المستشرق البريطاني وليام مونتغمري واط. ويبقى الجدل مستمراً في أصل تلك الأرقام, ولكن لا شك في أن نشرها في العالم على شكلها الحالي يعود فضله للعرب.
تطور أنظمة العد
لم يتوقف تطور أنظمة العد عند هذا الحد. مع تطور العلوم والتكنولوجيا، ظهرت الحاجة إلى أنظمة عد أخرى، مثل النظام الثنائي الذي يستخدم في الحواسيب. هذا النظام يعتمد على رقمين فقط: 0 و 1. كل العمليات التي تجري داخل الحاسوب تُترجم إلى سلسلة من الأصفار والواحدات.
وعلى الرغم من أنك قد ترى نظام العد الثنائي متخلفا. لانك تحتاج إلى الكثير من الاصفار والواحدات لتمثيل رقم كبير مثل 50 الفا. لكن في الحقيقة إن هذا النظام كان ضروريا لتخزين المعلومات. حيث تمثل الصفر عدم وجود شحنة كهربائية والواحد وجودها وهي الطريقة الوحيدة العملية لتخزين البيانات. فلا يمكننا نقش الرقم 5 مثلا على قرص التخزين (الهارد ديسك) ثم نقش الرقم 6 بطريقة مختلفة… وكل ما نستطيع تخزينه هو وجود اشارة كهربائية او مغنطة أو عدم وجودها.
رحلة الأرقام عبر التاريخ هي شهادة على قدرة الإنسان على الابتكار والتطور. من علامات بسيطة على جدران الكهوف إلى أنظمة معقدة تُستخدم في أحدث التقنيات، تظل الأرقام أداة أساسية لفهم العالم من حولنا والتفاعل معه. إنها لغة عالمية يفهمها الجميع، بغض النظر عن لغتهم الأم.
هذا التطور المستمر لأنظمة العد يعكس أيضًا تطور احتياجاتنا المعرفية والعملية. فكلما ازدادت تعقيدات حياتنا، كلما احتجنا إلى أدوات رياضية أكثر تطورًا لفهمها والتعامل معها. وهكذا، تستمر قصة الأرقام في التطور، حاملة معها تاريخًا حافلًا بالإنجازات والاكتشافات.