جدول المحتويات
هل فكرت يوماً في القوة الخفية التي تجعل المغناطيس يلتصق بالثلاجة، او حتى في شرارة البرق التي تضيء السماء؟ هذه الظواهر، وغيرها الكثير، تحكمها واحدة من أهم القوى الأساسية في الكون: الشحنة الكهربائية. إنها ليست مجرد مفهوم نظري، بل هي أساس كل ما نعرفه عن الكهرباء والإلكترونيات.
ما هي الشحنة الكهربائية
في جوهرها، الشحنة الكهربائية هي خاصية أساسية للمادة. ويمكنك أن تتخيلها كبصمة فريدة تحملها الجسيمات دون الذرية التي تشكل كل شيء حولنا. هناك نوعان فقط من هذه الشحنة: الشحنة الموجبة و الشحنة السالبة. يحمل البروتون في نواة الذرة شحنة موجبة، بينما يحمل الإلكترون الذي يدور حول النواة شحنة سالبة. في حالتها الطبيعية، تكون الذرة معتدلة كهربائيا، أي أن عدد البروتونات يساوي عدد الإلكترونات، مما يجعل شحنتها النهائية صفراً. ولكن عندما يحدث خلل في هذا التوازن، فإن المادة تكتسب شحنة. أو بعبارة اخرى تصبح الذرات مؤينة.
قاعدة هذه القوة بسيطة للغاية ولكنها حاسمة: الأضداد تتجاذب، والمتشابهات تتنافر. هذا يعني أن الشحنة الموجبة تجذب الشحنة السالبة، والعكس صحيح. أما الشحنات المتشابهة (موجب مع موجب أو سالب مع سالب) فتتدافع بقوة. هذه القاعدة هي التي تحكم سلوك الجسيمات في كل شيء، من الروابط الكيميائية التي تشكل جزيئات الماء، وصولاً إلى عمل الدوائر الكهربائية المعقدة في هواتفنا الذكية.

في الأنظمة المعزولة المغلقة تكون الشحنات الكهربائية محفوظة وثابتة. وحتى في التفاعلات الكيميائية أو النووية يكون مجموع الشحنات الكهربائية ثابت. ويعبر قانون حفظ الشحنة (مبدأ مصونية الشحنة) عن الموضوع.
اطلع على العدد الذري وعدد الكتلة
واحدة قياس الشحنة الكهربائية
إن وحدة قياس الشحنة الكهربائية في النظام الدولي هي الكولوم. ويعرّف الكولوم بأنه كمية الشحنة الكهربائية المتدفقة عبر مقطع عرضي لناقل في دارة كهربائية خلال 1 ثانية عندما يكون قيمة التيار الكهربائي 1 أمبير.
ويساوي الكولوم الواحد 6.24 × 1018 وحدة طبيعية من الشحنة الكهربائية، مثل الإلكترونات الفردية أو البروتونات. ووفقًا لتعريف الأمبير، فإن الإلكترون يحمل شحنة سالبة قدرها 1.602176634 × 10−19 كولوم.
امثلة عن الشحنات من حياتنا
لجعل هذه المفاهيم أكثر وضوحًا، دعنا نطبقها على بعض الأمثلة الواقعية.
البالون والجدار

عندما تفرك بالونًا بقطعة صوف، تنتقل الإلكترونات (الشحنات السالبة) من الصوف إلى البالون. يصبح البالون الآن سالب الشحنة. عندما تقربه من الجدار (الذي هو محايد الشحنة)، يقوم البالون بسحب الشحنات الموجبة في الجدار باتجاهه، بينما يدفع الشحنات السالبة بعيدًا. هذا التوزيع اللحظي للشحنات على سطح الجدار يخلق منطقة موجبة قريبة من البالون، مما يجعل البالون يلتصق بالجدار.
التجاذب والتنافر
- السؤال: لديك قضيب زجاجي مشحون بشحنة موجبة. ماذا يحدث إذا قربته من جسم آخر مشحون بشحنة موجبة؟
- الإجابة: سيحدث تنافر. وفقًا لقاعدة الشحنات، تتنافر الشحنات المتشابهة (موجب وموجب).
- السؤال: لديك قضيب بلاستيكي مشحون بشحنة سالبة. ماذا يحدث إذا قربته من جسم آخر مشحون بشحنة موجبة؟
- الإجابة: سيحدث تجاذب. تتجاذب الشحنات المختلفة (سالب وموجب).
تحديد نوع الشحنة
- السؤال: قمت بتقريب جسم مجهول من قضيب بلاستيكي سالب الشحنة، فلاحظت أن الجسم المجهول انجذب نحو القضيب. ما هي شحنة الجسم المجهول؟
- الإجابة: الجسم المجهول يمكن أن يكون موجب الشحنة أو محايدًا. لأن الجسم السالب يجذب الشحنات الموجبة (بسبب التجاذب الطبيعي)، كما أنه يجذب الجسم المحايد عبر عملية “الحث” التي تسبب إعادة توزيع مؤقت للشحنات على سطح الجسم المحايد.
الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة
في القرن الثامن عشر، كان العالم بنجامين فرانكلين رائداً في فهم هذه الظاهرة الغامضة. كان أول من أطلق اسمي “الموجب” و”السالب” على نوعي الشحنة الكهربائية. وقبل ذلك، كانت الكهرباء مجرد قوة غامضة يراقبها العلماء. اعتقد فرانكلين أن الكهرباء كانت عبارة عن “سائل” يمكن أن ينتقل من جسم لآخر. وأطلق على الجسم الذي لديه فائض من هذا السائل اسم “موجب”، والجسم الذي لديه عجز اسم “سالب”. ومع أننا نعرف الآن أن الكهرباء تنتقل على شكل إلكترونات، إلا أن تسميته بقيت، وأصبحت لغة عالمية.
تجربة فرانكلين الشهيرة بالطائرة الورقية كانت اللحظة الحاسمة التي ربط فيها بين الكهرباء الساكنة العادية والبرق السماوي المرعب. لقد خاطر بحياته ليثبت أن البرق ليس سوى تفريغ هائل للشحنة الكهربائية التي تتراكم في الغلاف الجوي، مما يؤكد أن القوة التي تسبب شرارة صغيرة عند لمس مقبض الباب هي نفسها القوة التي تضيء السماء بأكملها.

رأي في التجربة
تبديداً لأسطورة شائعة، لم تُصعق طائرة فرانكلين الورقية بضربة مباشرة من البرق. يقول الخبراء إنه لو حدث ذلك، لكان مصيره الصعق بالكهرباء. بدلاً من ذلك، التقطت الطائرة الشحنة الكهربية المحيطة بها من العاصفة.
وإليكم كيف عملت التجربة: صنع فرانكلين طائرة ورقية بسيطة، وربط سلكًا بأعلاها ليعمل كموصل للبرق. في أسفل الطائرة، ربط خيطًا من القنب، ثم ربط به خيطًا من الحرير. لماذا استخدم كلاهما؟ خيط القنب، المبلل بالمطر، سيقوم بتوصيل الشحنة الكهربية بسرعة. أما خيط الحرير، فظل جافًا لأنه كان يمسكه فرانكلين من مدخل سقيفة، مما يجعله غير موصل.
القطعة الأخيرة من اللغز كانت المفتاح المعدني. ربطه فرانكلين بخيط القنب، وبمساعدة ابنه، أطلق الطائرة في الهواء. ثم انتظرا. وعندما كان اليأس يتسلل إليه، كتب بريستلي، لاحظ فرانكلين أن خيوط القنب السائبة قد وقفت منتصبة، “تمامًا كما لو أنها كانت معلقة على موصل عادي”.
قرّب فرانكلين إصبعه من المفتاح، وشعر بشرارة عندما انجذبت الشحنات السالبة في القطعة المعدنية إلى الشحنات الموجبة في يده.
وكتب بريستلي: “اندهش من هذا المظهر الواعد، وقام فورًا بتقريب عُقلة إصبعه من المفتاح، و(ليدرك القارئ مدى المتعة الفائقة التي يجب أن يكون قد شعر بها في تلك اللحظة) اكتمل الاكتشاف. لقد شعر بشرارة كهربية واضحة للغاية.”
باستخدام قارورة ليدن (Leyden jar)، قام فرانكلين “بتجميع النار الكهربية بغزارة”، حسبما روى بريستلي. ويمكن بعد ذلك تفريغ هذه “النار الكهربية”—أو الكهرباء—في وقت لاحق.
وظهر وصف فرانكلين الخاص للحدث في صحيفة “بنسلفانيا جازيت” بتاريخ 19 أكتوبر 1752. قدم فيه تعليمات لإعادة التجربة، مختتمًا بالقول:
“بمجرد أن تعبر أي من السحب الرعدية فوق الطائرة، فإن السلك المدبب سيجذب النار الكهربية منها، وستصبح الطائرة، مع كل الخيط، مشحونة بالكهرباء، وستنتصب الخيوط السائبة في جميع الاتجاهات، وتنجذب نحو أي إصبع يقترب منها. وعندما يبلل المطر الطائرة والخيط، بحيث يمكنهما توصيل النار الكهربية بحرية، ستجد أنها تتدفق بغزارة من المفتاح عند اقتراب عقلة إبهامك. عند هذا المفتاح يمكن شحن القارورة؛ ومن النار الكهربية التي يتم الحصول عليها بهذه الطريقة، يمكن إشعال السوائل، وإجراء جميع التجارب الكهربية الأخرى، التي تتم عادةً بمساعدة أنبوب أو كرة زجاجية مفرَّغة، وبذلك يتم إثبات تطابق المادة الكهربية مع مادة البرق بشكل كامل.”
لم يكن فرانكلين أول من أثبت الطبيعة الكهربية للبرق. فقبل شهر واحد من تجربته، نجح توماس-فرانسوا داليبار في شمال فرنسا في القيام بذلك. وبعد عام من تجربة فرانكلين، حاول الفيزيائي البلطيقي جورج فيلهلم ريخمان إجراء تجربة مماثلة ولكنه لقي حتفه عندما صُعق بالبرق الكروي (ظاهرة جوية نادرة).
بعد نجاحه في إثبات نظريته، واصل فرانكلين عمله في مجال الكهرباء، واستمر في تحسين اختراعه لموصل البرق. وفي عام 1753، حصل على ميدالية كوبلي المرموقة من الجمعية الملكية، تقديراً لـ”تجاربه وملاحظاته الغريبة حول الكهرباء.”[1]
قانون القوة
بعد عقود من تجارب فرانكلين، جاء الفيزيائي الفرنسي تشارلز أوغستان دي كولومب ليحول هذا الفهم النوعي إلى قانون فيزيائي دقيق. باستخدام جهاز ابتكره بنفسه، تمكن كولومب من قياس القوة بين شحنتين كهربائيتين. ووضع قانونًا لا يزال يُدرس حتى اليوم، ينص على أن قوة الجذب أو التنافر بين شحنتين تعتمد على شيئين: مقدار الشحنتين والمسافة بينهما.


- F: هي القوة الكهربائية وواحدتها نيوتن
- k: ثابت التناسب ويساوي 8.9875×10⁹ نيوتن.م²/ كولوم²
- q1, q2: قيمة الشحنة الكهربائية الأولى والثانية وواحدتها كولوم.
- r: وهو البعد بين الشحنتين ويقدر بالواحدة الدولية المتر.
تطبيق على قانون كولوم
لإيجاد مقدار القوة الكهربائية بين شحنتين، إذا علمت أن:
- الشحنة الأولى (q1) = 4×10−6 كولوم.
- الشحنة الثانية (q2) = −3×10−6 كولوم.
- المسافة بينهما (r) = 30 سم.
ما مقدار القوة المتبادلة بين الشحنتين؟ وما نوعها؟
الحل: نستخدم قانون كولوم (Coulomb’s Law) الذي ينص على أن:

حيث:
- F هي القوة الكهربائية.
- k هو ثابت كولومب ويساوي 9×109 N⋅m2/C2.
- q1 و q2 هما مقدار الشحنتين.
- r هي المسافة بين الشحنتين بالمتر.
خطوات الحل:
- تحويل المسافة إلى متر: r=30 cm=0.3 m
- التعويض في القانون: نستخدم القيمة المطلقة للشحنات عند حساب مقدار القوة.

- الحساب:

F=9×109×(1.333×10−10)
F=1.2 N
الملاحظات:
- مقدار القوة: مقدار القوة المتبادلة بين الشحنة الأولى والثانية هو 1.2 نيوتن.
- نوع القوة: بما أن إحدى الشحنتين موجبة والأخرى سالبة، فإن نوع القوة بينهما هو تجاذب.
- قانون نيوتن الثالث: القوة التي تؤثر بها الشحنة الأولى على الثانية تساوي تمامًا القوة التي تؤثر بها الشحنة الثانية على الأولى في المقدار، وتعاكسها في الاتجاه، وهذا يتوافق مع قانون نيوتن الثالث.
الخلاصة
ببساطة، كلما كانت الشحنات أقوى، زادت القوة بينهما. والأهم من ذلك، كلما زادت المسافة بين الشحنات، ضعفت القوة بينهما بشكل كبير. هذه الملاحظة الدقيقة مهدت الطريق أمام علم الكهرومغناطيسية الحديث وسمحت للعلماء بحساب القوى الكهربائية بدقة غير مسبوقة، مما أدى إلى بناء المحركات والمولدات والمكونات الإلكترونية التي تشكل عالمنا الرقمي.
إن فهم الشحنات الموجبة والسالبة ليس مجرد درس في الفيزياء، بل هو مفتاح لفهم العالم من حولنا. من الاحتكاك البسيط الذي يولد الكهرباء الساكنة إلى الأجهزة التي تعمل بالبطارية، كل شيء يعتمد على هذه القوة الأساسية التي وصفها فرانكلين وقاسها كولومب. إنها قوة خفية، لكنها موجودة في كل مكان، وتشكل أساس وجودنا المادي.



